کد مطلب:239448 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:134

و یبقی هنا سؤال
« لو أن الامام قبل عرض الخلافة، فماذا تری سوف یكون موقف المأمون ؟! » .

و الجواب :

أولا : انه قد یمكن الاقتناع بالجواب هنا لو قیل :

بدیهی أن المأمون كان قد أعد العدة لأی احتمال من هذا النوع .. و قد كان یعلم أنه یستحیل علی الامام، خصوصا فی تلك الظروف : أن یقبل عرض الخلافة، من دون اعداد مسبق لها، و تعبئة شاملة لجمیع القوی، و فی مختلف المجالات، و لسوف یكون قبوله لها بدون ذلك عملا انتحاریا، لا مبرر له، و لا منطق یساعده..

اذا من البدیهی أن الامام الذی كان یعلم كم كان للقائد الحقیقی، و المصلح الواعی، من أثر فی حیاة الامة، و فی مستقبلها . و كیف یمكن أن تتحد فی ظله قدرات الامة - أفرادا و جماعات - و امكاناتها المادیة، و الفكریة و غیرها فی طریق صلاحها، و اصلاحها .. و یعلم أیضا : كیف یكون الحال، لو كان القائد فاسدا، حتی بالنسبة لما یبدو من تصرفاته فی ظاهره صحیحا و سلیما ..

ان الامام الذی كان یعلم ذلك و سواه - و بصفته القائد الحقیقی للامة، لو حكم ؛ فلابد له أن یقیم دولة الحق و العدل، و یحمل الناس علی المحجة، و یحكم بما أنزل الله، كما حكم جده محمد (ص)، و أبوه علی (ع) من قبل .. و حكمه هذا سوف یكون مرفوضا جملة و تفصیلا ؛ لأن الناس، و ان كانوا عاطفیا مع أهل البیت علیهم السلام ؛ الا أنهم حیث لم یتربوا تربیة اسلامیة صحیحة، و صالحة، اذا أراد العلویون، أو غیرهم حملهم علی المحجة، فلسوف لا ینقادون لهم بسهولة، و لا یطیعونهم بیسر . و لسوف یكون الحكم بما أنزل الله غریبا علی أمة اعتادت



[ صفحه 293]



علی حیاة خلفاء بنی العباس، و من قبلهم بنی امیة الملیئة بالانحرافات و الموبقات .

أولئك الخلفاء الذین كانوا فی طلیعة المستهترین، و المتحللین من كل قیود الدین و الانسانیة، و الذین كانوا یتساهلون فی كل شی ء، مادام لا یضر بوجودهم فی الحكم .. نعم .. فی كل شی ء علی الاطلاق، حتی فی الدین و أحكامه، و الأخلاق، و المثل العلیا ؛ و ما ذلك الا لأنهم لم یكن همهم الا الحكم، و التسلط، و امتصاص دماء الشعوب، و لا یهمهم - بعد - أن یفعل الناس ما شاءوا ، لیتستروا بالدین، لیكفروا بالله، لیتحللوا من الأخلاق و الفضائل الانسانیة، لیأكل بعضهم بعضا، لیكونوا أنعاما سائمة، أو لیكونوا وحوشا ضاریة ؛ فان ذلك كله لا یضر . و الذی یضر فقط هو : أن یتعرضوا للحكم، و یفكروا بالسلطان كیفما كان التعرض و أیا كان التفكیر ..

و اذا كان الامام علی (ع)، عندما أراد أن یحكم بما أنزل الله تعالی، قد لاقی ما لاقی مما لا یجهله أحد .. رغم ما سمعته الامة من فم النبی (ص) مباشرة فی حقه، و قرب عهدها به .. فكیف بعد أن مرت عشرات السنین، و أصبح الانحراف عادة جاریة، و سنة متبعة، و اتخذ نحوا من الاصالة فی حیاة الامة، و روحها ، و أصبح - للأسف - جزءا لا یتجزأ من كیانها و واقعها ..

و أیضا .. اذا كان أبومسلم قد قتل ست مئة ألف نفس صبرا، عدا مئات الالوف الاخری، التی ذهبت طعمة للسیوف فی المعارك ..

و اذا كانت ثورة أبی السرایا قد كلفت المأمون »200« ألف جندی، من جنوده هو ..

و اذا كان العصیان ما انفك یظهر من كل جانب و مكان، رغم أن



[ صفحه 294]



الحكم كان أولا و آخرا ینسجم مع أهواء الناس، و مصالحهم الشخصیة ..

فهل یمكن مع هذا .. ان لا یتعرض الامام (ع) لعصیان أصحاب الأهواء - و ما أكثرهم -، و الكید من قبل الأعداء، الذین سوف یزید عددهم، و تتضاعف قوتهم ، عندما یحاول الامام (ع) ان یفرض علیهم حكما ما اعتادوه، و سلوكا ما ألفوه ؟! ..

ان من الواضح : ان الناس و ان كانت قلوبهم معه، الا ان سیوفهم سوف تنقلب لتصیر علیه، كما انقلبت علی آبائه و أجداده من قبل، و ذلك عندما لا ینسجم حكمه (ع) مع رغائبهم، و أهوائهم، و انحرافاتهم .. حیث ان الامام (ع) اذا أراد أن یحكم، فلسوف یواجه - بطبیعة الحال - تلك العناصر القویة، ذات النفوذ، و أولئك المستأثرین بكل الاموال و الاقطاع، من أصحاب الأطماع، و المصالح الشخصیة، وجها لوجه .. اذ أننا لا یمكن أن ننتظر من حكومة الامام، التی هی علی الفرض حكومة الحق، و العدل : أن تقرهم علی ما هم علیه، فضلا عن أن توفر لهم الحمایة لتصرفاتهم المشبوهة، و غیر المنطقیة، بل حتی و لا الاخلاقیة أیضا ..

ان حكومة الامام (ع)، اذا أرادت أن تقوم بعمل أساسی فی سبیل استئصال كل جذور الانحراف و الفساد .. فان علیها أولا، و قبل كل شی ء، أن تقوم بقطع أیدی أولئك الغاصبین لاموال الامة، و المتحكمین بقدراتها . و ابعاد كل أولئك الذین كانوا یستغلون مناصبهم، التی وصلوا الیها عن طریق الظلم، و الغطرسة ، و الابتزاز - یستغلونها - لمآربهم الشخصیة، و انحرافاتهم اللاأخلاقیة ..

ثم .. قطع أعطیات ذلك الفریق من الناس، الذین كانوا یعیشون علی حساب الامة ، و یأكلون خیراتها .. ثم لا یقومون فی مقابل ذلك بأی عمل، أو نشاط یذكر ..



[ صفحه 295]



و أیضا .. منع المحسوبیات، و الوساطات، من أصحاب الوجاهات، الذین كانت تسیرهم الروح القبلیة، و یهیمن علیهم الشعور الطبقی فی دولة الأطماع و المزیدات، أو دولة التهدید، و العسف، و الارهاب .

یضاف الی ذلك كله .. أنه اذا أراد الامام (ع) أن ینطلق فی كل نصب و عزل من مصلحة الامة، لامن مصلحة الحاكم و القبیلة ؛ فطبیعی أن یؤدی ذلك الی اثارة القبائل ضده، و یؤلبهم علیه .. فزعماء القبائل سواء كانوا عربا أو فرسا كانوا یلعبون دورا هاما فی انجاح ایة ثورة و قیام أیة دعوة و استمرار و نجاح أی حكم .

و بعد كل ذلك ؛ فان من الطبیعی اذن : أن یستفحل الصراع بینه، و بین العناصر القویة، ذات النفوذ، من أصحاب الأهواء، و المصالح الشخصیة ، و أولئك الذین یعتمل فی نفوسهم طموح كبیر ، نحو زبارج الدنیا، و بهارجها .. و ذلك عندما یعطی القیمة الحقیقیة لهؤلاء جمیعا، و یجعلهم فی المستوی الذی یجب أن یكونوا فیه، و یحدد و یقیم لهم واقعهم الذی لن یرضوا أبدا بتحدیده و تقییمه . و علی الأقل لن تساعده تلك العناصر علی تصحیح الوضع، و اقرار النظام .. هذا ان لم تكن هی العقبة الكأداء، التی تحول بینه و بین ما یصبو الیه، و تمنعه من تحقیق ما یرید ..

یضاف الی ذلك كله : أن القیادة القبلیة كانت قد فسدت آنذاك، و اعتاد رؤساء القبائل علی نكث العهود و المواثیق التی یعطونها ، فكانوا یؤیدون هذه الدعوة، و هذا القائم بها، الی أن یجدوا من یستفیدون منه، و یغدق علیهم أكثر من الأموال، و یخصهم بما یفضل ما یخصهم به ذاك من المناصب . و كان للقیادات القبلیة دور كبیر فی انجاح أیة دعوة، و انتصار أیة ثورة ..

و بعد .. فانه اذا كان الامام (ع) لن یحابی أحدا علی حساب دینه و رسالته .. و اذا كان - من الجهة الاخری - مركزه ضعیفا فی الحكم .. و اذا كان لیس لدیه القوة و القدرة الكافیة لمواجهة مسؤولیاته كاملة ؛



[ صفحه 296]



فلسوف ینهار حكمه و سلطانه أمام أول عاصفة تواجهه، و لن یستطیع أن یبقی محتفظا بوجوده فی الحكم، أو علی الأقل بمركز یخوله أن یفرض الحكم الذی یرید علی المجتمع، بجمیع فئاته، و مختلف طبقاته ..

الا أن یكون حاكما مطلقا، لا تحد سلطته حدود، و لا تقیدها قیود، و أنی له بذلك .

و بعد كل ما تقدم ؛ فان النتیجة تكون، أن الامام (ع)، و ان كان یمتلك القدرة علی الاصلاح، لكن الامة لم تكن لتتحمل مثل هذا الاصلاح، خصوصا و أن الحكام - بوحی من مصالحهم الخاصة - كانوا قد أدخلوا فی أذهان الناس صورا خاطئة عن الحكم، و عن الحكام، الذین یفترض فیهم ان یقودوا الامة فی مسیرها الی مصیرها ..

هذا كله .. لو فرض - جدلا - سكوت العباسیین و المأمون عنه، مع أن من المؤكد أنهم سوف یعملون بكل ما لدیهم من قوة و حول، من أجل تقویض حكمه، و زعزعة سلطانه ..

و اذا كان یستحیل علی الامام (ع)، فی تلك الفترة علی الأقل : أن یتسلم زمام السلطة الا أن یكون حاكما مطلقا كما قدمنا .. فمن الواضح أن سؤالا من هذا النوع لا مجال له بعد . و لن یكون فی تجشم الاجابة علیه كبیر فائدة، أو جلیل أثر .

و لكن .. مع ذلك، و حتی لا نفرض علی القاری ء وجهة نظر معینة ؛ اذ قد یری أن من حقه أن یفترض - و ان أبی واقع الأحداث مثل هذا الافتراض - أنه كان علی الامام (ع) : أن یجاری، و یداری فی بادی ء الأمر ؛ من أجل الوصول الی أهداف فیها خیر الامة و مصلحتها ؛ من أجل ذلك .. نری لزاما علینا أن نجاریه فی هذا الافتراض، و نتجه الی الاجابة علی ذلك السؤال بنحو آخر ؛ فنقول :

و ثانیا : انه اذا كان المأمون فی تلك الفترة هو الذی یمتلك القدرة و السلطان .. و اذا كانت كل أسباب القوة و المنعة متوفرة لدیه بالفعل ؛



[ صفحه 297]



فانه سوف یسهل علیه - اذا لم یكن حكم الامام (ع) علی وفق ما یشتهی ؛ و حسبما یرید - : أن یأخذ علی ذلك الحكم : ( الذی یری نفسه، و یری الناس أنه مدین للمأمون ) أقطار الأرض، و آفاق السماء . و لن یصعب علیه تصفیته، و التخلص منه من أهون سبیل ؛ حیث انه حكم لا یزال، و لسوف یسعی المأمون لأن یبقیه فی المهد، یستطیع المأمون أن ینزل به الضربة القاصمة القاضیة متی شاء، دون أن تعطی له الفرصة لحشد قدراته، و تجمیع قواه فی أی من الظروف و الأحوال ..

و هكذا .. فان النتیجة تكون : أن الامام (ع) سوف یكون بین خیارین لا ثالث لهما : فاما أن یحاول تحمل المسؤولیة الحقیقیة، بكل أبعادها، و تبعاتها، باعتباره القائد الحقیقی للامة، و یقدم علی كل ما تقدمت الاشارة الیه من اصلاحات جذریة فی جمیع المجالات، و علی مختلف المستویات ؛ مما سوف یكون من نتائجه أن یعرض نفسه للهلاك، حیث لا یستطیع الناس ؛ و المأمون و اشیاعه تحمل ذلك، و الصبر علیه، و یكون له و لهم كل العذر فی تصفیته، و التخلص منه .

و اما أن لا یتحمل مسؤلیة الحكم، و لا یأخذ علی عاتقه قیادة الامة، و انما تكون مهمته، و ما یأخذه علی عاتقه هو فقط تنفیذ ارادات المأمون، و أشیاعه من المنحرفین . و یكون هو الواجهة التی یختفی وراءها الحكام الحقیقیون، المأمون و من لف لفه ..

و واضح أن نتیجة ذلك سوف تكون أعظم خطرا علی الامام، و علی العلویین، و علی الامة بأسرها، و أشد فداحة من نتیجة الخیار السابق ؛ حیث یكون قد قضی بذلك علی كل آمال الامة، و كل توقعاتها . و ذلك هو كل ما یریده المأمون، و یسعی من أجل الحصول علیه، بكل ما أوتی من قوة و حول ..

و ثالثا : ان من الواضح، أن عرض المأمون التنازل عن الخلافة للامام (ع)، لا یعنی أبدا أن المأمون سوف یحتفظ لنفسه بأی من



[ صفحه 298]



الامتیازات ؛ التی تضمن له - فی نظره - نصیبا من الأمر [1] و لسوف یری الناس كلهم أن له كل الحق فی ذلك ..

كما أن تلك لا یعنی أنه سوف لا یعود له نفوذ فی الاوساط ذات النفوذ و القوة . بل اننی أعتقد أنه سوف یكون فی تلك الحال أقوی بكثیر منه فی غیرها ؛ . حتی ان المنصب للامام (ع)، قد یكون شكلیا، و مركزه صوریا، لا حول له فیه و لا قوة ..

و حینئذ .. و اذا كان المأمون سوف یبقی له نفوذ و قوة، و اذا كان سوف یشترط لتنازله عن الخلافة للامام، ما یضمن له استمرار تلك لا یصعب علیه كثیرا أن یدبر - و هو الداهیة الدهیاء - فی الامام (ع) بما یحسم عنه مواد بلائه، علی حد تعبیر المأمون ..

و لیطمئن - من ثم - خاطره، و یهدأ باله ؛ حیث یكون قد حقق كل ما كان یصبو و یطمح الی تحقیقه. كما أنه یكون قد اصبح یمتلك اعترافا من العلویین بشرعیة خلافته .. بل یكون العلویون علی ید أعظم شخصیة فیهم، هم الذین رفعوه علی العرش و سلموا الیه أزمة الحكم و السلطان.. الی آخر ما هنالك مما قدمناه، و لا نری ضرورة لاعادته ..


[1] كأن يشترط أن يكون هو الوزير، أو ولي العهد مثلا.